قبل أيام كنت في دعوة على العشاء حين دار الحديث (بين الشيبان) عن القهوة وكمية الهيل و"حمسة البن" فيها. ويبدو أن المضيف لاحظ عدم اشتراكي في الحديث فتوجه إليّ قائلا: لم نسمع رأيك يافهد؟ فقلت مازحاً: أعتقد شخصيا أن قهوتنا العربية تحتاج إلى إضافة السكر (فهي بصراحة شديدة المرارة وما لها طعم).. وعلى الفور أدركت - من تعابير الوجوه - أن تعليقي لم يكن في محله ولم يجد قبولا من كبار السن... وبعد لحظات من الصمت انبرى لي أحد الشيبان بقوله: "ياوليدي" السكر أيام زمان كان من ندرته يستعمل كدواء، حينها حاولت استدراك ما فات فقلت: صحيح ياعم وأنا أعتقد أن تفردنا بشرب القهوة (بدون سكر) يعود إلى أن السكر لم يكن متوفرا ولا يمكن زراعته في الجزيرة العربية (!!) وحتى على نطاق العالم لم يكن استهلاك السكر بالإفراط الذي نراه اليوم ولم يستعمل في الصناعات الغذائية إلا منذ مائة عام فقط.
.. على أي حال أنا أول من يعترف بالمضار الكثيرة للسكر الأبيض، فالسكر المستعمل اليوم منتج كيميائي مكرر لا يحظى بسمعة طيبة لدى خبراء التغذية، فهو مادة صناعية (ميتة) وخالية من الفيتامينات والأملاح - ناهيك عن تدميرها لفيتامينات B في الجسم.
وحين نتحدث عن السكر تبرز مفارقة غذائية فريدة، فهو من جهة يهضم بنسبة 100% ويمتصه الجسم بسرعة ويضم سعرات حرارية كثيرة، ولكن هذه المزايا - التي لا تخدم سوى مدافع سيواجه منتخب البرازيل بعد ساعتين - لها نتائج صحية خطيرة على المدى الطويل.. فالسكر مثلا هو السبب الأول للبدانة وتراكم الشحوم، فرغم انه يضم سعرات حرارية أقل من الدهون (بنسبة 4إلى 9في كل جرام) إلا أنه يؤدي للبدانة لسببين رئيسيين:
الأول: أن الفائض منه يتحول بسهولة إلى دهون يخزنها الجسم.
والثاني: إن امتصاصه السريع في الأمعاء لا يترك فرصة لحرق الأطعمة الدهنية (التي نأكلها في نفس الوقت) فلا تجد بدورها غير التراكم في الجسم!
.. والسكر - بالإضافة إلى أنه لا يضم عناصر غذائية مفيدة - مسؤول بنسبة كبيرة عن الإصابة بالسكري، كما أن تناوله - حتى بكميات معتدلة - يهدد بتسوس الأسنان واختلالات الكبد والاصابة بالسل والروماتيزم والاكزيما والوهن الدائم.. بل إن مجرد تناول كمية صغيرة من السكر يدخل المرء في دائرة غذائية خطيرة، حين يتناول أحدنا شيئاً من "الحلى" ترتفع لديه نسبة الانسولين بالدم (للإسراع في عملية التمثيل الغذائي) ولكن كمية الانسولين التي تتبقى بعد الهضم تجعلنا نشعر مجددا برغبة في تناول الحلويات.. وهذه الأخيرة تستدعي كميات اضافية من الانسولين.. وبالتالي رغبة جديدة لتناول الحلويات (وهكذا ندخل في دائرة لا تنتهي)!
.. والمشكلة أننا - أبناء هذا الجيل - نشأنا على استهلاك السكر ولا يخطر ببالنا وجود بدائل غيره، فهناك مثلا العسل الذي يعتبر منجما للفيتامينات والعناصر الشافية ويمكن استعماله في صنع الحلويات والمشروبات وأنواع الكعك، كما ان محليات كثيرة كالاسبرتام المالتودكسترين تفوق السكر في حلاوتها ومع ذلك لا تسبب البدانة ولا تضر المصابين بالسكري (وفي أسوأ الأحوال يمكن اللجوء للسكر البني الأقل ضررا) أما ميلنا لتناول الحلويات فيمكن القضاء عليه بالإكثار من تناول الفواكه اللذيذة بدون مخاطر تذكر، فتناول كمية كبيرة من العنب (حتى 2كيلو) لا يسبب ارتفاعا في سكر البول كما تفعل 150غراما (فقط) من السكر الأبيض!
.. وبناء عليه.. من قال إن القهوة تحتاج لسكر؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق